-شامة؟؟..تتذكرين أول يوم التقينا فيه..؟
-وكيف لي أن أنسى..؟
-اتصلت بك قبلها لكنك لم تردي..
-لم أعرف الرقم..
-كان رقما إسرائيليا..
-وماذا بعد؟ أنا قطعت علاقتي مع إسرائيل منذ سنة 2017.. بالضبط شهر مارس، نشرت إحدى الصحف التي تدعي علاقتها بالاستخبارات وتحمل إسم أنتلجنسيا خبرا صغيرا جاء فيه “شامة درشول الجسر الجديد للقوة الناعمة بين المغرب وإسرائيل”، شعرت أن هناك من هو متضايق من تواجدي على أرض اعتاد الاشتغال فيها دون أن يزعجه أحد، لم أكن أعرف وقتها من يكون هذا ال”مولاي أحمد”، سمعت به يوم تفجرت فضيحة كريس كولمان، وحين كنت في رحلة العودة الأولى من إسرائيل إلى المغرب عن طريق باريس في نوفمبر 2016 كان هو في نفس الطائرة، لم أتعرف عليه، أحد أصدقائي في الوفد الذي قدته نحو إسرائيل هو من قال لي إن “مولاي أحمد” هنا، أجبته:”شكون هاد مولاي أحمد؟”، رد علي: ”من تزاحمينه الآن في سوق إسرائيل”.
ما كتب في صحيفة الأنتلجنسيا لم يعجبني، لأن من تحاور معي وقتها راسلني عبر حسابي على تويتر.. ادعى أنه صحفية فرنسية، وطرح علي عددا من الأسئلة، كنت حذرة في الرد، وحين نشر الخبر عني نشره كما يريد هو أن يكون، وليس ما قلته له.. كان هناك من يحاول حرقي باكرا، لم يكن يعرف أني قررت من تلقاء نفسي قطع علاقتي بوزارة الخارجية الإسرائيلية.. ومع إسرائيل كافة.. لم أعد أريد الاشتغال مع حسن كعبية.. المسؤول الإعلامي في وزارة الخارجية الإسرائيلي.. يعتقد نفسه ذكيا.. وأراه صهيونيا أكثر من الصهاينة اليهود رغم أنه بدوي، ومسلم، ويصلي.. رأيته بأم عيني يصلي، ويؤدي الصلاة في ميقاتها.. لكنه لا يفي بالوعد، وأنا لا أتعامل نهائيا مع شخص لا يفي بوعده مهما كانت ديانته..
-لكنك بقيت على علاقة مع جاكي؟
-بل جاكي من بقي على علاقة بي.. جاكي كان يحتاجني في تقاريره على إذاعة الجيش، ومقالاته في صحيفة معاريف.. كان مهتما بالمغرب والإمارات.. وكنت وقتها مستشارة خاصة لإحدى المؤسسات الحكومية في أبوظبي…
-مستشارة خاصة.. كم أكره هذه الكلمة.. أنت سبب كل مشاكلي.. في الأخير سأكتشف أنك أنت من قتلني.. لا أفهم كيف لا زلت أثق فيك وأتبعك..
-قد تكون غاضبا مني مثلما الإماراتيون غاضبون مني.. لكن مهلا.. أولا أنا كنت مع أبوظبي مكلفة بوضع الاستيراتيجيات، وليس فقط مستشارة خاصة مثلما كنت معك، ثانيا، لماذا تتوقعون من المواطن المغربي أن يكون مواليا لكم في إسرائيل، وللإماراتيين، أكثر من ولائه لوطنه الأم؟ لماذا لا تفهمون أنه أن أشتغل معك ليس معناه أن أكون ضد وطني الأم؟
-لأن هذه هي الفئة التي نشتغل معها…
-لكن هل هذه الفئة استطاعت حمايتك حين قررت تدميرك؟
-لحظة.. أنت قلتها بنفسك.. قررت تدميري.. يعني أنت القاتلة…
-ديفيد… لا تكن حساسا لهذه الدرجة.. نحن الآن نحاول أن نجد من أطلق الإشارة بقتلك.. وليس من قتلك.. أخبرتك أن قتلتك متعددون وأنت واحد منهم.. ما يهمنا هو الزمن الذي قتلت فيه.. وليس على يد من.. لماذا لا تفهم أننا نكتب الآن للتاريخ، وليس لك.. بالمناسبة… سجل عندك.. غرورك واحد من الأدوات التي قتلت بها..
-تقصدين أن جاكي ليس مغرورا؟
-نعم جاكي ليس مغرورا، وهو مستمع جيد.. لذلك كلما احتاج أن يفهم شيئا عن المغرب، أو الإمارات، كان يتصل بي ويسألني، كان ولا يزال يقول لي إن لدي نظرة مختلفة عن المألوف، وأني لا أجامل أحدا..
-أعرف هذا.. أنت شخص لا يجامل إطلاقا.. لدرجة تجعلك تبدين ثقيلة الظل.. صراحتك بغيضة.. وكلماتك قاسية.. عانيت منك كثيرا.. طوال الشهور الثلاثة التي كنت فيها مستشارتي.. كنت أبغضك.. لكن كان علي أن أتحملك.. وأتبع كل كلمة تقولينها بالحرف.. كان علي أن أصبر.. لقد لاحظت بأم عيني كيف اختصر علي الفيديو الذي أنتجته لي سنوات من العمل، بفيديو واحد كسبت التصفيق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، والغيرة من زملائي، والتقدير من السفراء الأجانب في الرباط.. لثلاثة أشهر كاملة لم يهاجمني أحد في الصحافة.. نعم.. يرجع كل الفضل لك.. لكنك أنت امرأة لا تطاق.. كنت أشعر أني مع ضابطة، تؤدي مهمة عسكرية.. وليس دبلوماسيا أتى إلى بلد سهل.. بلد لليهود فيه نفوذ.. وللإسرائيليين فيه علاقات… صحيح أنك منحتني الشهرة، والاحترام، لكنك حرمتني ثقتي بنفسي.. تصرخين في وجهي.. ترفضين الرد على اتصالاتي.. تتجاهلين رسائلي.. من أنت لتفعلي بي كل هذا؟! أنا إسرائيلي.. أنا دبلوماسي.. أنا يهودي.. أنا من أصول أوروبية.. أنا سفير ابن سفير.. ومع ذلك كنت أخاف منك.. أتذكرين حين أخبرتك أني أخاف منك؟
– أتذكر جيدا.. كان اليوم الأخير في الثلاثة أشهر من اتفاقنا..
-نظرت إلي.. وابتسمت.. ابتسامة لئيمة وكأنك تتلذذين بتعذيبي.. لم تقولي شيئا، اكتفيت بابتسامة باردة.. وتقولين عني مغرور.. وأنت؟ ماذا أنت؟ أنت الغرور نفسه.. امرأة مغرورة، لم تعرني يوما الاهتمام الذي أستحقه.. لماذا تختلفين عن النساء اللواتي كن يوزعن الابتسامات علي؟ لماذا لم تتوددي إلي مثلهن؟ لماذا لم تقولي لي كلمة إعجاب واحدة في حقي؟
-وهل أكذب؟
اكذبي.. ماذا سيضيرك لو كذبت؟ لو قلت إنك معجبة بي؟ لو قلت إني رجل رائع.. لو قلت إني وسيم… ربما كنت سأظل حيا.. ربما لم يتجرأ أحد على قتلي..
-وربما لم ينتزع المغرب اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء؟ أكمل.. قلها.. لماذا سكت؟
صمت مطبق… مرت دقائق.. الجثة بدأت تتحرك.. يفتح فمه.. وأسمعه يقول:
-شامة؟
-نعم؟
-قلت لي إن في حكايتك مع جاكي هناك قصة قصيرة وقصة طويلة، حكيت القصة القصيرة، كيف اتفقتما على أن يكون السفير الإسرائيلي ليس مغربيا، ويكون اشكنازيا.. لكن ما هي القصة الطويلة؟
-أووووووف… هذه قصة طويلة فعلا… لكن سأحكيها لك في بضعة أسطر.. سأحاول..
أتذكر في أبريل 2020.. في أوج الحجر الصحي في زمن كورونا.. علق سياح إسرائيليون كانوا يزورون المغرب.. منعوا من المغادرة مثلهم مثل العديد من الأجانب إلى حين أن تهيئ الدولة لشروط العودة.. دولتكم إسرائيل رفضت أن تعيدهم على حسابها، طلب منهم أن يدفعوا بأنفسهم ثمن تذاكرهم، لكن المغرب رفض أن تنزل طيارة العال الإسرائيلية على أرض المغرب، كانت هذه فرصتكم لكي تفرضوا على المغرب التسريع في عملية التطبيع، كان المغرب لا يزال يفكر، لكن الإمارات كانت تضغط، كانت تريد من المغرب أن يطبع في أسرع وقت، حملت أبوظبي ثأرها من المغرب في قلبها، أرادت أن تظهر لأمريكا، ولكم، أنهم لا يملكون المليون إسرائيلي من أصل مغربي، ولا إمارة المؤمنين التي بها حمى المغرب اليهود من نازية هتلر، ولا حضور اليهود في المغرب لأزيد من ثلاثة ألاف سنة، ومع ذلك أبوظبي من ستجر المغرب إلى التطبيع مع إسرائيل، كانت الإمارات تراهن على تطبيع المغرب مع إسرائيل لتظهر لأمريكا أنها تستحق أن تكون الزعيمة على المنطقة العربية، اعتقدت أن سحب بساط الوساطة الفلسطينية الإسرائيلية من تحت مصر، وفرض التطبيع الإسرائيلي على المغرب، سيرفع أسهمها أمام “الرب” الأمريكي بالمقارنة مع الحليف القطري.
اقترحت الإمارات على إسرائيل أن تطلب من المغرب أن يسمح بأن يستقل الإسرائيليون العالقون إحدى الطائرات الإماراتية التي حطت على أرض المغرب لتقل مواطنيها إلى أبوظبي، لم ترد الإمارات أن تظهر في الواجهة، اعتادت أن تلعب بقذارة خلف الكواليس.. ولأنها محدودة الإبداع، استعملت نفس أدوات الضغط.. الذباب الإلكتروني..
في ذاك اليوم، أطلقت أبوظبي ذبابها الإلكتروني على تويتر ليهاجم سعد الدين العثماني الذي كان وقتها رئيسا للحكومة…
-العثماني؟ هذا من قتلني.. بسبب تغريدتي ضده بدأت مشاكلي…
-بل بسبب غبائك بدأت المشاكل.. وبسبب ثرثرتك سأعيدك إلى قبرك وأقفل عليك كما يقفل على كل الجثث…
صمت مطبق…
-أوووف… يا لك من جثة مزعجة.. ألا تريد أن تفهم أن العالم لا يدور حولك وأننا هنا نكتب التاريخ للتاريخ؟
-أنا آسف.. واصلي..
-في ذاك اليوم، انتبهت إلى أن التغريدات ليست عادية، وبحكم اشتغالي لسنة كاملة مستشارة استيراتيجية لأبوظبي فبطبيعة الحال كنت مطلعة على أدوات اشتغالهم، وكنت أعرف أن من بينها نشر الأخبار الزائفة، واستعمال تويتر، وتوظيف الذباب الإلكتروني…
-ولماذا حين طلبت مشورتك هل أفتح حسابا على فيسبوك أم على تويتر قلت لي أن تويتر أفضل؟
-أولا اتصلت بي على الواحدة صباحا وهذا سلوك سخيف..
– آسف.. لكني فقط كنت أريد أن أعرف إذا أنت مرتبطة عاطفيا..
-وتغضب حين أصفك بسفير التحرش؟
-حسنا.. حسنا..
-ثانيا.. تذكر أني قلت لك وقتها.. طبعا بعد أن أخبرتك أني في العادة لا أرد على الاتصالات بعد الثامنة مساء.. قلت لك إنك ان فتحت حسابا على فيسبوك سوف تهاجم بشدة، وأن الهجوم عليك على تويتر سيكون أقل حدة، وأن الدبلوماسيين والسياسيين والرؤساء وغيرهم موجودون على تويتر.. أنا لم أخدعك يوما، أنت من كنت تعتقد أنك تحاول خداعنا دولة وشعبا.. بل إنك أردت تقليد دونالد ترامب في توظيفه لتويتر، ولم تتعلم أن تويتر من جعل ترامب رئيسا، وأن تويتر من أسقط ترامب من الرئاسة…
عموما.. من الأفضل أن تتوقف عن مقاطعتي.. فكلما فعلت تذكرت أشياء تسيء لك..
-حسنا.. حسنا.. أنا آسف.. أنا آسف.. واصلي من فضلك..
-لحظتها، حين استشعرت وقوف أبوظبي وراء الحملة ضد العثماني وضد الادعاء بأن المغرب يعيش موجة جوع في ظروف كورونا، بعثت برسالة على واتساب إلى أحد معارفي، فأخبرني أن الإمارات تحاول أن تخرج بطريقة سرية السياح الإسرائيليين، وأن المغرب أوقف العملية، وأن أبوظبي تحاول الانتقام من المغرب عن طريق تويتر…
-أتعرف ماذا فعلت وقتها؟
-اتصلت بجاكي.. طبعا..
-نعم.. هذا ما فعلته.. بعثت له رسالة صوتية على واتساب.. كانت رسالة غاضبة.. قلت له: ”ماذا تعتقدون أنكم فاعلون؟ هل جننتم لدرجة الاعتقاد أنه يمكنكم تعويض المغرب بالإمارات؟ هل صدقتم أكاذيب الإمارات بأن المغرب يدار من أبوظبي؟ أنتم لا تعرفون المخزن المغربي.. أنتم لا تعرفون شيئا عن المغرب.. اليهود المغاربة قد يخبروكم عن المحيط الملكي.. لكن لا أحد سيخبركم عن المجتمع المغربي إلا مغربي.. ما تفعلونه سينقلب ضدكم..
سمع جاكي رسالتي واتصل بي لحظتها، وقال لي: ”أنا اريد أن أنشر عن الطائرة الإماراتية والسياح العالقين، لكن لدينا أوامر بعدم نشر أي شيء عن المغرب وإغضابه، طلبوا منا أن نلتزم الصمت إلى حين الحصول على موافقة المغرب بإخراج السياح العالقين”.
لكنه عاد مساء واتصل بي وقال لي: ”من فضلك.. أعيدي علي كل التفاصيل، سأنشر هذا على الإذاعة غدا صباحا…”
-نعم.. أتذكر جيدا هذا اليوم.. كنت أتابع الأخبار من منزلي في أورشليم.. تناقلت وسائل الإعلام في العالم الخبر.. الكل بات يتحدث عن الطائرة الإماراتية والسياح الإسرائيليين وعن كيف منع المغرب الإمارات وإسرائيل من اللعب على أرضه وخلف ظهره، بدا المغرب بلدا قويا لا ينحني في سبيل أمنه، وأمن شعبه، لأحد… لم أكن أعرف أنك أنت من كان وراء كل هذا.. لكن جاكي قال يومها إنه لن ينسى كل الضجة التي أحدثها هذا الخبر..
-نعم… كانت ضجة دامت لحوالي أسبوع.. بعث لي جاكي ليلتها رسالة صوتية، أدمعت عيني وأنا أنصت لها.. قال لي: ”على بلدك أن يمنحك جائزة.. ما فعلته لا يفعله إلا مواطن يحب بلده.. لهذا أنا أحبك شامة.. وأحترمك.. وأثق فيك..”.
– وحصلت على الجائزة؟ حصلت على الاعتراف؟
-نعم… حصلت على الجائزة… في الفاتح من سبتبمر 2020 استيقظت على مقال تشهيري ضدي وضد عائلتي وضد شركتي نشر على موقع يدعى كود، يسمي نفسه موقعا صحافيا، بعض المعلومات الصحيحة فيه سربها مدير موقع هسبريس الذي كانت علاقته بي جيدة قبل أن ينقلب ضدي مباشرة بعد توقيعه لصفقة بيع موقع هسبريس المغربي للإماراتيين، وتحول الموقع إلى هسبريس الإماراتية مقابل خمسة ملايين دولار، ومع الوقت اكتشفت أن “مولاي أحمد” وعصابته، كانوا بدورهم متورطين في الحملة التشهيرية ضدي..
– مولاي أحمد؟ نعم أذكره.. هذا الذي قلت لك في أول يوم التقينا فيه أنه “رجل الإمارات في إسرائيل”..
-نعم.. هو..
– لحظتها أجبت بنبرة ساخرة: ”هو أيضا رجل إسرائيل والإمارات في المغرب”.
يتبع…