شاهدت اليوم الحلقات الأربع من المسلسل الجديد سفاح الجيزة الذي يعرض على شاهد. لاشك أنه عمل متقن ومتكامل العناصر، وقوته الأساسية تتمثل في كونه مقتبسا من ملف جنائي. جرائمه حدثت واقعيا قبل فترة قليلة، كما أن معالجة هذه الجرائم دراميا وصياغتها بشكل فني مميز بعيد عن الميلودراما والمبالغة في تصوير الشر وشيطنة السفاح كما يحدث مثلا في بعض الأعمال المقتبسة من ملف ريا وسكينة. جعل العمل مقبولا لدى الجمهور، فالسفاح هنا إنسان عادي طيب يمارس حياته بشكل طبيعي.
لكن من خلال الفلاش باك الذي نحصل عليه على جرعات في كل حلقة بدأنا نتعرف على تاريخ عقده النفسية المرتبطة بطفولته حيث قتلت أمه أباه أمام عينيه وأخفت جثته. حتى سلوكه بعد جرائمه المتمثل في ظهوره داخل المطبخ يستمتع بالطبخ مرتبط بأمه كبائعة سندويشات، فبعد جريمتها في حق زوجها تابعت عملها بشكل اعتيادي دون تأثر. بل حتى الطريقة العنيفة في القتل استقاها منها وهذا كله شُحن في لاوعي الطفل، الذي تحول فيما بعد الى صورة من أمه لكن بشكل احترافي أفظع وأوسع.
إذاً وباختصار، السفاح في المسلسل يتخبط في الكثير من العقد النفسية والاجتماعية التي ترعرعت داخله وتمكنت من شخصيته وسلوكياته. بالإضافة إلى المشكلة العاطفية التي واجهته في شبابه، وكل هذا جعله ينفصل الى شخصيتين. إنسان طبيعي يتعايش مع المجتمع، ومجرم سفاح يتحرك خلف الستار.
عناصر قوة المسلسل
من عناصر قوة المسلسل أيضا اعتماده على ممثلات وممثلين ”طبيعيين” يشبهوننا نحن البشر، وليس كأولئك المصنعين داخل عيادات ومختبرات التجميل. فالعمل ارتكز على أحداث واقعية من قاع المجتمع وكان من الذكاء الاعتماد على ممثلين بملامح عادية طبيعية. كما أنه ابتعد عن توظيف الكثير من النجوم والوجوه المعروفة مما أعطى للمسلسل مصداقية وقبولا لدى المُشاهد.
الجميل أيضا عدم التعمق في سيكولوجية السفاح وتحويل الحلقات إلى جلسات التحليل النفسي. فالمسلسل درامي محض بعيد عن التركيب والتعقيد، الجرائم فيه متسارعة بسبب قلة الحلقات، ثمانية فقط. لكن الإيقاع الدرامي بطيء نوعا ما وتسايره في ذلك الموسيقى التصويرية وأيضا الألوان الهادئة والاقتصاد في الحوار… وكل هذا خدم شخصية السفاح أمامنا كجمهور والتي تتميز بالهدوء والطيبة وعدم التوتر والإنفعال.
مسلسل سفاح الجيزة من صنف دراما الجريمة لكن بخطين دراميين فقط، خط السفاح وتتفرع عنه بعض الشخصيات حسب الأحداث، وخط ضابط المباحث وتتفرع عنه أيضا بعض الشخصيات القليلة التي تتحرك حسب الضرورة الدرامية في كل حلقة، وليس كالكثير من الأعمال من هذا النوع التي تتضمن خطوطا عدة، بعوالم وأبعاد وتفاصيل متعددة ومتفرعة، وأظن أن هذا بسبب الحلقات القليلة كما قلت سابقا، باختصار المسلسل يستحق المشاهدة.